نهى احمد من سان خوسيه/ ايلاف
من أغرب الظروف التي مرت بها مجموعات بشرية في العالم عبر العصور كانت الظروف التي مر بها السود في كوستاريكا وبالتحديد في مدينة ليمون. وتبلغ مساحة هذه المدينة تسعة الاف كلم مربع وعدد سكانها 339 الف نسمة ، ويشكلون اليوم 3 في المئة من مجموع الشعب الكوستاريكي.
التاريخ
ففي عام 1502 وصلت الى شواطئ ليمون من باناما اول سفينة حملت كريستوف كولومبوس، بعد ان اكتشف عام 1492 القارة الأميركية وبالتالي الجزيرة الصغيرة اسلا اوفيتا التي تبعد 700 متر عن مرفأ بيورتو ليمون الحالي، فاطلق على المنطقة بالكامل اسم ليمون ويعني شجرة الليمون لانه رأى شجرة ليمون امام منزل حاكم المنطقة يومها.
وفي البداية كانت المنطقة شبه مأهولة بالسكان معظمها غابات مطيرة فيها آلاف من الحيوانات والطيور الغريبة. وعندما غادرها كولومبوس غزاها القراصنة والبعوض والحشرات الخطيرة.
وفي منتصف القرن التاسع عشر دخلها البريطانيون فارادوا تحويلها الى نقطة تجارية عبر شق الطرقات ومد سكة حديد تصل الى العاصمة سان خوسيه وبناء ميناء من أجل تجارتهم في وسط أميركا. ولان عمال المستعمرات البريطانية يومها رفضوا العمل في ظل ظروف حياتية خطيرة بسبب الحشرات جلب أصحاب الاستثمارات عمالا سود من جامايكا اضافة الى سكان المنطقة الأصليين من الهنود الحمر، مات منهم الآلاف نتيجة لدغ البعوض.وبعد البريطانيون أتى الاميركيون لبناء مزارع الموز ما جعل المنطقة تشهد انتعاشا اقتصاديا. ورغم هذا الازدهار ساءت حالة الهنود الحمر ففضلوا الهروب الى أعالي الجبال فيما بقي السود لعدم استطاعتهم العودة الى وطنهم.
ورغم تطور كوستاريكا في الربع الأخير من القرن الماضي وتحولها الى بلد ديمقراطي لكن هذه الأقلية السوداء ظلت تعاني من سوء المعاملة وعدم نيل حقوقها رغم زمن طويل على وجودها في هذا البلد الذي يعتبر من أجمل بلدان العالم. مع ذلك فكر البعض منهم في الاستفادة من الجمال الطبيعي لمناطقهم بتحويلها الى منتجعات سياحية لأهل البلد والاجانب خاصة الاميركيين، وبالاخص المناطق حول الميناء الذي يعتبر االيوم الأكبر في كوستاريكا وأهم بوابة لصادرات الموز والقهوة. كما تعلموا حرفا يدوية وصناعة دمى للسياح أصبحت اليوم جزءا من مصدر رزق للكثير من العائلات.
السياحة
واليوم يمكن القول ان ليمون أحد أهم مدن كوستاريكا السياحية، فالى جانب شاطئها الذي يصل طوله الى 336 كلم من الرمل الأبيض( يشكل معظم الساحل في كوستاريكا) توجد جزر صغيرة جدا ينمو فوقها النخيل يمكن للسائح الانفراد بالسكن فوقها لبضعة أيام وكأنه في جنة صغيرة ملكا له. عدا عن ذلك توجد في شمال ليمون الحديقة الوطنية المسماة تورتوغويرو تحولت قبل فترة الى محمية لللشعاب المرجانية لوقوعها على الشاطئ والطيور المهددة بالانقراض والأزهار النادرة.
واستفادت ليمون أيضا من ازدياد السياحة الى كوستاريكا وأصبح هذا القطاع موردها الاقتصادي الأهم ولم يعد كما في السابق قطع الأشجار وبيع خشبها. وفيها اليوم أكثر من 300 نوع من الطيور وحيوانات نادرة كالتماسيح القزمة والسلاحف الضخمة وكائنات أخرى جعلت المنطقة قبلة لعلماء الطبيعة. ورغم انها حديقة وطنية لكن يسكنها حاليا 700 شخص منحوا اذنا خاص للسكن. والملفت انهم ليسوا من السود او الكوستاركيين بل من كولومبيا اتوا الى هذا المكان عام 1930 وبنوا فيها اماكن للمبيت فوق الأشجار مميزة يقصدها السياحة ، فما أجمل الاستيقاظ صباحا وسط غابة تعج بالطيور والازهار الغريبة.
فعاليات ومهرجانات
وتقام في ليمون العديد من المهرجانات الشعبية منها مهرجان في الـ 12 من شهر تشرين الاول (اكتوبر) للتذكير بارساء كولومبوس سفنه في رحلته الرابعة الى القارة الأميركية ، حيث تتحول شوارع المدينة لمدة أسبوع كامل الى مسرح كبير للاستعراضات فنية ومجموعات موسيقى الطبول من الصفيح، ويلبس السكان السود ملابسهم الفولكلورية والنساء فساتين بيضاء مزينة بالكشاكش والدنتيل والتطريز والوان زاهية، ويعم الرقص والاكل والشرب مع قرع الطبول ورقص الريغه والسلسا، لذا يقصدها الالاف من السياح من كل أنحاء العالم لمشاهدة المهرجان وفي نهاية الأسبوع يتم انتخاب ملكة جمال المهرجان.
وتتمتع جزيرة اسلا اوفيتا التي اكتشفها كولومبوس بشهرة خاصة، فمساحتها لا تتعدى ال800 متر مربع، ويمكن الذهاب اليها بزواق عادية أيضا زوارق للجذف وتتميز بالاشجار الدائمة الخضار حيث تجمع بين الخضرة والماء الصافية الرائعة والاسماك من مختلف الانواع والالوان. وما يجذب السياح الى ليمون ايضا ان متوسط الحرارة فيها على مدى العام لا يتجاوز الـ 30 درجة مئوية ولكن الرطوبة هناك مرتفعة ليس فقط بسبب البحر بل لكثرة الجداول